فصل: ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة خمس وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ المفاداة بين المسلمين والروم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز أخبرنا أبو بكر بن ثابت الخطيب قال‏:‏ فودي من الرجال والنساء في سنة خمس وتسعين ومائتين ثلاثة آلاف نفس ‏.‏

وفي ذي القعدة من هذه السنة توفي المكتفي بالله وبويع المقتدر بالله ‏.‏

 ذكر خلافة المقتدر بالله

اسمه جعفر بن المعتضد بالله ويكنى أبا الفضل وأمه أم ولد يقال لها شغب أدركت خلافته ولد ليلة الجمعة لثمان بقين من رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين وقيل‏:‏ ولد يوم الجمعة وكان ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير جميل الوجه أبيض مشربًا بالحمرة حسن الخلق حسن العينين بعيد ما بين المنكبين جعد الشعر مدور الوجه كثير الشيب في رأسه أخذ في عارضيه أخذًا كثيرًا ‏.‏

 ذكر بيعة المقتدر

ولما اشتدت علة المكتفي في ذي القعدة سنة خمس وتسعين سأل عن أخيه أبي الفضل جعفر فصح عنده أنه بالغ فأحضر في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة القضاة فأشهدهم أنه قد جعل العهد إليه وبويع بالخلافة بعد وفاة المكتفي سحر يوم الأحد لأربع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من هذه السنة ‏.‏

ولما أراد الجلوس للبيعة صلى أربع ركعات وما زال يرفع صوته بالدعاء والاستخارة فبويع ولقب المقتدر بالله وهو ابن ثلاث عشرة سنة وشهر واحد وعشرين يومًا ولم يكن ولي الخلافة قبله أحد أصغر منه ‏.‏

أنبأنا جماعة من مشايخنا عن أبي منصور بن عبد العزيز قال‏:‏ بلغ المقتدر في شعبان قبل جلوسه في الخلافة بثلاثة أشهر وكان في بيت مال الخاصة خمسة عشر ألف ألف دينار وفي بيت مال العامة ستمائة ألف دينار ومن غير ذلك ما يتمم عشرين ألف ألف دينار ومن الفرش والآلة والجوهر ما يزيد قيمته على الكل واستوزر المقتدر جماعة منهم‏:‏ أبو أحمد العباس بن الحسن بقي في وزارته أربعة أشهر وسبعة أيام وقتل وأبو الحسن علي بن محمد بن الفرات بقي ثلاث سنين وثمانية أشهر وثلاثة وعشرين يومًا ثم قبض عليه وحبس ثم أعيد إلى الوزارة فبقي سنة وخمسة أشهر وسبعة عشر يومًا ثم قبض عليه ثم أعيد دفعة ثالثة فبقي عشرة أشهر وثمانية عشر يومًا ثم قبض عليه وقتل ‏.‏

واستوزر بعد مديدة أبو علي محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان بقي سنة وشهرًا وخمسة أيام وقبض عليه ‏.‏

وبعده أبو الحسن علي بن عيسى بن داود بن الجراح بقي ثلاث سنين وعشرة أشهر وثمانية عشر يومًا وقبض عليه ثم أعيد فبقي سنة وأربعة أشهر ويومين وقبض عليه وبعده أبو محمد حامد بن العباس بقي أربع سنين وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا ثم قبض عليه وقتل وبعده أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان بقي سنة وستة أشهر ويومين ثم قبض عليه وبعده أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد الخصيب بقي سنة وشهرين وقبض عليه ‏.‏

وبعده أبو علي محمد بن علي بن مقلة بقي سنتين وأربعة أشهر وثلاثة أيام وقبض عليه ‏.‏

وبعده أبو القاسم عبد الله بن محمد الكلواذي بقي شهرين وثلاثة أيام وقبض عليه وبعده أبو القاسم سليمان بن الحسن بن مخلد بقي سنة وشهرين وتسعة أيام وقبض عليه وبعده أبو علي الحسين بن القاسم بن عبيد الله بقي سبعة أشهر وقبض عليه ‏.‏

وبعده أبو الفتح الفضل بن جعفر بن الفرات بقي خمسة أشهر وتسعة وعشرين يومًا وقتل المقتدر بالله فاستتر الفضل ‏.‏

وكان للمقتدر ستة حجاب سوسن مولى المكتفي ثم نصر القشوري ثم أحمد بن نصر القشوري ثم ياقوت ثم محمد وإبراهيم ابنا رائق ‏.‏

وكان أطباؤه سنان بن ثابت وبختيشوع بن يحيى‏:‏ ورد المقتدر رسوم الخلافة إلى ما كانت عليه من التوسع في الطعام والوظائف وفرق في بني هاشم عشرة آلاف دينار وتصدق في سائر الناس بمثلها وأضعف لبني هاشم أرزاقهم ‏.‏

وفرق في يوم التروية ويوم عرفة من البقر والغنم ثلاثين ألف رأس ومن الإبل ألف رأس وأطلق أهل الحبوس الذين يجوز إطلاقهم وأمر محمد بن يوسف القاضي أن ينظر في أمور سائر الناس وكانت قد بنيت أبنية في الرحبة دخلها في كل شهر ألف دينار فأمر بنقضها ليوسع على المسلمين ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ خلع المقتدر في زمان خلافته مرتين وأعيد فأما المرة الأولى فكانت بعد استخلافه بأربعة أشهر وسبعة أيام وذلك عند قتل العباس بن الحسن الوزير وفاتك مولى المعتضد واجتماع أكثر الناس ببغداد على البيعة لأبي العباس عبد الله بن المعتز ولقبوه المرتضي بالله وخلع المقتدر واحتجوا في ذلك بصغر سنه وقصوره عن بلوغ الحكم ونصبوا ابن المعتز يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول سنة ست وتسعين وسلموا عليه بإمرة المؤمنين ثم بايعوا له بالخلافة ثم فسد الأمر وبطل من الغد وثبت أمر المقتدر بالله وجددت له البيعة الثانية في يوم الاثنين فظفر بعبد الله بن المعتز فقتل وقتل جماعة ممن سعى في أمره والمرة الثانية في الخلع‏:‏ بعد إحدى وعشرين سنة وشهرين ويومين من خلافته اجتمع القواد والجند والأكابر والأصاغر مع مؤنس الخادم ونازوك على خلعه فقهروه وخلعوه وطالبوه بأن يكتب رقعة بخطه بخلع نفسه ففعل وأشهد على نفسه بذلك وأحضروا محمد بن المعتضد بالله فنصبوه وسموه القاهر بالله وسلموا عليه بإمرة المؤمنين وذلك يوم السبت للنصف من المحرم سنة سبع عشرة وثلثمائة فأقام على ذلك يوم السبت ويوم الأحد فلما كان يوم الإثنين اختلف الجند وتغير رأيهم ووثب طائفة منهم على نازوك وعبد الله بن حمدان المكنى بأبي الهيجاء فقتلوهما وأقيم القاهر من مجلس الخلافة وأعيد المقتدر بالله إلى داره وجددت له بيعة وكان قد تبرأ من الأمر يومين وبعض الثالث ولم يكن وقع للقاهر بيعة في رقاب الناس ‏.‏

 ذكر طرف من سيرة المقتدر بالله

كان سخيًا جوادًا وكان يصرف إلى الحرمين وفي طريقهما في كل سنة ثلثمائة ألف وخمسة عشر ألفًا وأربعمائة وستة وعشرين دينارًا وكان يجري على القضاة في الممالك ستة وخمسين ألفًا وخمسمائة وتسعة وستين دينارًا ‏.‏

وكان يجري على من يتولى الحسبة والمظالم في جميع البلاد أربعمائة وثلاثين ألفًا وأربعمائة وتسعة وثلاثين دينارًا ‏.‏

وعلى أصحاب البريد تسعة وسبعين ألفًا وأربعمائة دينارًا وكان يصوم كثيرًا ويتنقل بالصلاة كثيرًا وكان في داره عشرة آلاف خادم خصي غير الصقالبة والروم والسودان وكان مجمله وافرًا ولما بعث ملك الروم رسوله زين الدار والبلد وسنذكر ما جرى في سنة خمس وثلثمائة ‏.‏

وكان جواهر الأكاسر وغيرهم من الملوك قد صارت إلى بني أمية ثم صارت إلى السفاح ثم إلى المنصور واشترى المهدي الفص المعروف بالجبل بثلثمائة ألف دينار واشترى الرشيد جوهره بألف ألف دينار ولم يزل الخلفاء يحفظون ذلك إلى أن آلت الخلافة إلى المقتدر وهناك ما لم ير مثله وفيه الدرة اليتيمة زنتها ثلاثة مثاقيل فبسط فيه المقتدر يده ووهب بعضه لصافي الحرمي ووجه منه إلى وزيره العباس فرده وقال‏:‏ هذا الجوهر عدة الخلافة ولا يصلح أن يفرق وكانت زيدان القهرمانة متمكنة من الجوهر فأخذت سبحة لم ير مثلها وكان يضرب بها المثل فيقال‏:‏ سبحة زيدان فلما وزر علي بن عيسى قال للمقتدر‏:‏ ما فعلت سبحة جوهر قيمتها ثلاثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص فقال‏:‏ في الخزانة فقال‏:‏ تطلب فطلبت فلم توجد فأخرجه من كمه وقال‏:‏ إذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ فما الذي يحفظ وقال‏:‏ عرضت علي فاشتريتها فاشتد ذلك على المقتدر ثم امتدت يد الخزانة في أيام القاهر والراضي إلى خزائن الجوهر فلم يبق منه شيء ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ حدثنا أبو علي الحسين بن محمد الأنباري قال‏:‏ سمعت دلويه الكاتب يحكي عن صافي الحرمي مولى المعتضد قال‏:‏ مشيت يومًا بين يدي المعتضد وهو يريد دور الحرم فلما بلغ إلى باب شغب أم المقتدر وقف يتسمع ويطلع من خلل في الستر فإذا هو بالمقتدر وله إذ ذاك خمس سنين أو نحوها وهو جالس وحواليه مقدار عشر وصائف من أقرانه في السن وبين يديه طبق فيه عنقود عنب في وقت العنب فيه عزيز جدًا والصبي يأكل عنبة واحدة ثم يطعم الجماعة عنبة عنبة على الدور حتى إذا بلغ الدور إليه أكل واحدة مثل ما أكلوا حتى فرغ العنقود والمعتضد يتميز غيظًا فرجع ولم يدخل الدار ورأيته مهمومًا فقلت له‏:‏ يا مولاي ما سبب ما فعلته وما قد بان عليك فقال‏:‏ والله يا صافي لولا النار والعار لقتلت هذا الصبي اليوم فإن في قتله صلاحًا للامة ‏.‏

فقلت‏:‏ يا مولاي حاشاه أي شيء أعيذك بالله يا مولاي العن إبليس‏!‏ فقال‏:‏ ويحك أنا أبصر بما أقول أنا رجل قد سست الأمور وأصلحت الدنيا بعد فساد شديد ولابد من موتي وأعلم أن الناس بعدي لا يختارون غير ولدي وسيجلسون ابني عليًا - يعني المكتفي - وما أظن عمره يطول للعلة التي به - يعني الخنازير التي كانت في حلقه - فيتلف عن قريب ولا يرى الناس اخراجها عن ولدي ولا يجدون بعده أكبر من جعفر فيجلسونه وهو صبي وله من الطبع في السخاء هذا الذي قد رأيت من أنه يطعم الصبيان مثل ما أكل وساوى بينه وبينهم في شيء عزيز في العالم والشح على مثله في طباع الصبيان فتحتوي عليه النساء لقرب عهده بهن فيقسم ما جمعته من الأموال كما قسم العنب ويبذر ارتفاع الدنيا ويخرجها وتضيع الثغور وتنتشر الأمور وتخرج الخوارج وتحدث الأسباب التي يكون فيها زوال الملك عن بني العباس أصلًا‏!‏ فقلت‏:‏ يا مولاي بل يبقيك الله حتى ينشأ في حياة منك ويصير كهلًا في أيامك ويتأدب بآدابك ويتخلق بخلقك ولا يكون هذا الذي ظننت فقال‏:‏ احفظ عني ما أقول فإنه كما قلت قال‏:‏ ومكث يومه مهمومًا وضرب الدهر ضربه ومات المعتضد وولي المكتفي فلم يطل عمره ومات وولي المقتدر فكانت الصورة كما قال المعتضد بعينها فكنت كلما وقفت على رأس المقتدر ورأيته قد دعا بالأموال فأخرجت إليه وفرقها على الجواري ولعب بها ومحقها ذكرت مولاي المعتضد وبكيت وكنت يومًا واقفًا على رأس المعتضد فقال‏:‏ هاتوا فلانًا الطيبي - خادم يلي خزانة الطيب - فأحضر فقال له‏:‏ كم عندك من الغالية فقال‏:‏ نيف وستون حبًا صينيًا مما عمله عدة من الخلفاء قال‏:‏ فأيها الطيب قال‏:‏ ما عمله الواثق قال‏:‏ أحضرينه فأحضره حبًا عظيمًا تحمله عدة خدم بدهق ففتح فإذا بغالية قد ابيضت من التعشيب وجمدت من العتق في نهاية الذكاء فأعجبت المعتضد وأهوى بيده إلى حوالي عنق الحب فأخذ من لطاخته شيئًا يسيرًا من غير أن يشعث رأس الحب وجعله في لحيته وقال‏:‏ ما تسمح نفسي تطريق التشعيث على هذا الحب ارفعوه فرفع فمضت الأيام فجلس المكتفي يومًا وهو خليفة فطلب غالية فاستدعى الخادم وسأله عن الغوالي فأخبره بما كان أخبر به أباه فاستدعى غالية الواثق فجاءه بالحب بعينه ففتح فاستطابه وقال‏:‏ أخرجوا منه قليلًا‏!‏ فأخرج مقدار ثلاثين أو أربعين درهمًا فاستعمل منه في الحال ما أراده ودعا بعتيدة له فجعل الباقي فيها ليستعمله على الأيام وأمر بالحب فختم بحضرته ورفع ومضت الأيام وولي المقتدر الخلافة وجلس يومًا مع الجواري وكنت على رأسه فأراد أن يتطيب فاستدعى الخادم وسأله فأخبره مثل ما أخبر به أباه وأخاه فقال‏:‏ هات الغوالي كلها فأحضرها الحباب كلها فجعل يخرج من كل حب مائة مثقال وخمسين وأقل وأكثر فيقسمه ويفرقه عل من بحضرته حتى انتهى إلى حب الواثق فاستطابه فقال‏:‏ هاتوا عتيدة حتى نخرج إليها ما نستعمله فجاءوا بعتيدة فكانت عتيدة المكتفي بعينها فرأى الحب ناقصًا والعتيدة فيها شيء فقال‏:‏ ما السبب في هذا فأخبرته بالخبر على شرحه فأخذ يعجب من بخل الرجلين ويضع منهما بذلك ثم قال‏:‏ فرقوا الحب بأسره على الجواري‏!‏ فما زال يخرج أرطالًا وأنا أتمزق غيظًا وأذكر حديث العنب وكلام المعتضد إلى أن مضى قريب من نصف الحب فقلت له‏:‏ يا مولاي‏!‏ هذه الغالية أطيب الغوالي وأعتقها وما لا يعتاض منه فلو تركت ما بقي منها لنفسك وفرقت من غيرها كان أولى وجرت دموعي لما ذكرته من كلام المعتضد فاستحيا مني ورفع الحب فما مضت إلا سنين من خلافته حتى فنيت تلك الغوالي واحتاج إلى عجن غالية بمال عظيم ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن أبي البصري قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور القشوري قال‏:‏ كنت أخدم وأنا حدث في دار نصر بن القشوري المرسومة بالحجبة من دار المقتدر بالله فركب المقتدر يومًا على غفلة وعبر إلى البستان المعروف بالزبيدية في نفر من الخدم والغلمان وأنا مشاهد لذلك وتشاغل أصحاب الموائد والطباخون بحمل الآلات والطعام وتعبيتها في الجون فأبطأت وعجل هو في طلب الطعام فقيل له‏:‏ لم يحمل بعد فقال‏:‏ انظروا ما كان‏!‏ فخرج الخدم كالمتحيرين ليس يجسرون أن يعودوا فيقولوا ما جاء شيء فسمعهم رئيس الملاحين بالطيار فقال‏:‏ إن كان ينشط مولانا لأكل طعام الملاحين فمعي ما يكفيه فمضوا فقالوا له فقال‏:‏ هاتوا ما معه فأخرج من تحت صدر الطيار جونة مليحة خيارزة لطيفة فيها جدي بارد وسكباج مبردة وبزماورد وإدام وقطعة مالح ممقور طيبة وأرغفة سميذ جيدة وكل ذلك لطيف وإذا هي جونة تعمل في منزله كل يوم وتحمل إليه فيأكلها في موضعه من الطيار ويلازم الخدمة فلما حملت إلى المقتدر استنظفها فأكل منها واستطاب المالح والإدام فكان أكثر أكله منه ولحقته الأطعمة من مطبخه فقال‏:‏ ما آكل اليوم إلا من طعام جعفر الملاح‏!‏ فأتم أكله منه وأمر بتفرقة طعامه على من حضر ثم قال‏:‏ قولوا له هات الحلواء‏!‏ فقال‏:‏ نحن لا نعرف الحلوى‏!‏ فقال المقتدر‏:‏ ما ظننت أن في الدنيا من يأكل طعامًا لا حلواء بعده‏!‏ فقال الملاح‏:‏ حلوانا التمر والكسب فإن تشأ أحضرته فقال‏:‏ لا هذا حلوى صعب لا أطيقه فأحضرونا من حلوائنا فأحضرت عدة جامات فأكل ثم قال لصاحب المائدة‏:‏ اعمل في كل يوم جونة تنفق عليها ما بين عشرة دنانير إلى مائتي درهم وسلمها إلى جعفر الملاح تكون برسم الطيار ابدًا فإن ركبت يومًا على غفلة كما ركبت اليوم كانت معدة وإن جاء المغرب ولم أركب كانت لجعفر قال‏:‏ فعملت إلى أن قتل المقتدر وكان جعفر يأخذها فربما حاسب عليها الأيام وأخذها دراهم وما ركب المقتدر بعدها على غفلة ولا احتاج إليها ‏.‏

أنبأنا محمد بن طاهر قال‏:‏ أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو الفتح أحمد بن علي بن هارون قال‏:‏ قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ كان ابن عمي أبو القاسم يوسف بن يحيى بن علي حسن الإقبال محظوظًا وكانت له داية تسمى نظم فخدمت السيدة المقتدر وخصصت بها حتى صارت إحدى قهارمتها التي تجري على يديها الصغير والكبير فرفعت أبا القاسم وانتهت به إلى أسنى الأرزاق وأوسع الأحوال وأخرجت له الصلات حتى تأثلت حاله بذلك وصار صاحب عشرات ألوف دنانير وخلطته بخدمة السيدة فعزم أبو القاسم على تطهير ابنه فانفق في وليمته ما لم يسمع بمثله حتى أفردت عدة دور للحيوان وعدة دور للفاكهة وانفق ألوف دنانير وبلغ نظم خبره فجاءته من عنده السيدة بأموال عظيمة معونة له على التطهير وحملت له من عندها من الفرش والآنية والثياب والمخروط بألوف فلما مضت أيام قالت لها‏:‏ يا نظم‏!‏ أيش خبر طهر ابن يوسف قالت‏:‏ يا ستي قد بقيت عليه أشياء يريدها فقالت‏:‏ خذي ما تريدين واحمليه إليه فجاءت نظم إليه فقالت‏:‏ إن كان قد بقي في نفسك شيء فعرفني فقال لها‏:‏ الطهر غدًا ما بقي في نفسي شيء إلا وقد بلغته لك وقد بقي في نفسي شيء لست أجسر على مسألته فقالت‏:‏ قل ما في نفسك فإن أمكن وإلا فليس يضرك فقال‏:‏ أشتهى أن أعار القرية الفضية التي عملت لأمير المؤمنين ليراها الناس في داري ويشاهدوا ما لم يشاهدوا مثله فيعلموا ما محلي من الاختصاص والعناية فوجمت وقالت‏:‏ هذا شيء عمله الخليفة لنفسه‏!‏ ومقداره عظيم وفي هذه القرية مائتا ألوف دراهم ولا أحسب جاهي يبلغ إليها وكيف يستعار من خليفة شيء‏!‏ أو متى‏!‏ سمع بخليفة يعير ولكن أنا أسأل السيدة في هذا فإن كان مما يجوز وإلا عرفتك

ومضت فلما كان من الليل جاءتني وقالت‏:‏ إن إقبالك قد بلغ إلى أن يحب أن تحمد الله عليه‏!‏ فقلت‏:‏ ما الخبر فقالت‏:‏ كل ما تحب‏!‏ قد جئتك بالقرية هبة لا عارية وجئتك معها بصلة ابتدأ لك بها أمير المؤمنين من غير مسألة أحد فقلت‏:‏ ما الخبر قالت‏:‏ مضيت وأنا منكسرة القلب آيسة من أن يتم هذا فدخلت على هيئتي تلك على السيدة فقالت‏:‏ من أين قلت‏:‏ من عند عبدك يوسف وهو على أن يطهر ابنه غدًا قالت‏:‏ أراك منكسرة قلت‏:‏ ببقائك ما أنا منكسرة قالت‏:‏ ففي وجهك حديث فقلت‏:‏ خير قالت‏:‏ بحياتي ما ذاك قلت‏:‏ قد شكر ما عومل به ودعا وقال‏:‏ أبي كنت أحب أن أتشرف بما لم يتشرف به أحد قبلي ليعلم موضعي من الخدمة قالت‏:‏ وما هو قلت‏:‏ يسأل أن يعار القرية ليتجمل بها ويردها من غد فأمسكت ثم قالت‏:‏ وما هو قلت‏:‏ يسأل أن يعار القرية ليتجمل بها ويردها من غد فأمسكت ثم قالت‏:‏ هذا شيء عمله الخليفة لنفسه كيف يحسن أن يرى في دار غيره وكيف يحسن أن يقال أن الخليفة استعار منه بعض خدمه شيئًا ثم استرده منه وهذا فضيحة‏!‏ كيف يجوز أن أسأله هبتها له لأني لا أدري قد ملها وشبع منها أم لا فإن كان قد ملها فقيمتها عليه أهون من أن يفكر في ثمنها وإن كان لم يملها لم آمن أن أفجعه بها وسأسبر ما عنده في هذا‏!‏ ثم دعت بجارية فقالت‏:‏ أعرفوا خبر الخليفة فقيل لها‏:‏ هو عند فلانة فقالت‏:‏ تعالي معي فقامت وأنا معها وعدة جوار حتى دخلت وكانت عادته إذا رآها أن يقوم لها قائمًا ويعانقها ويقبل رأسها ويجلسها معه في دسته قالت‏:‏ فحين رآها قام وأجلسها معه وقال لها‏:‏ يا ستي - وهكذا كان يخاطبها - ليس هذا من أوقات تفضلك وزيارتك فقال‏:‏ ليس من أوقاتي ثم حدثته ساعة وقالت‏:‏ يا نظم متى عزم ابنك يوسف على تطهير ابنه قلت‏:‏ غدًا يا ستي فقال الخليفة‏:‏ يا ستي إن ان يحتاج إلى شيء آخر أمرت به فقالت‏:‏ هو مستكف داع ولكن قد التمس شيئًا ما أستحسن خطابك فيه قال‏:‏ أريد أن أشرف على أهل المملكة كلهم ويرى عندي ما لم ير في العالم مثله‏!‏ قال‏:‏ وما هو قالت‏:‏ يا سيدي يلتمس أن تعيره القرية فإذا رآها الناس عنده ارتجعت فقال‏:‏ يا ستي هذا والله ظريف يستعير خادم لنا شيئًا وتكونين أنت شفيعه فأعيره ثم أرتجعه هذا من عمل العوام لا الخلفاء ولكن إذا كان محله من رأيك هذا حتى قد حملت على نفسك بخطابي فيه وتجشمت زيارتي وأنا أعلم أنه ليس من أوقات زيارتك فقد وهبت له القرية فمري بحملها بجميع آلاتها إليه وقد رأيت أن أشرفه بشيء آخر قالت‏:‏ وما هو قال يحمل إليه غدًا جميع وظائفنا ولا يطبخ لنا شيء البتة بل يوفر عليه ويؤخذ لنا سمك طري فقط فأمرت بنقل القرية وقالت‏:‏ قولي ليوسف ما تصنع بالوظيفة فقال والله ما أحتاج إلى ملح إلا وقد حصلته فإن حملت إلي لم أنتفع بها‏!‏ فخذي لي ثمنها من الوكلاء فأخذت وكان مبلغ ذلك ألف وستمائة دينار وهي وظيفة كل يوم وقالت اقتصر الخليفة لأجلك اليوم على السمك فاشتري له سمك بثلثمائة دينار وكانت القرية على صفة قرية مثال البقر والغنم والجمال والجواميس والأشجار والنبات والمساحي والناس وكل ما يكون في القرى ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن محمد بن نوح بن عبد الله أبو إسحاق المزكي

الحافظ الزاهد‏:‏ إمام عصره بنيسابور في معرفة الحديث والرجال والعلل وسمع خلقًا كثيرًا ودخل على أحمد بن حنبل وذاكره وكان مجلسه مهيبًا وقيل‏:‏ أنه كان مجاب الدعوة وكان لا يملك من الدنيا إلا الدار التي يسكنها وحانوتًا يستغل منه كل شهر سبعة عشر درهمًا يتقوت بها ولا يقل من أحد شيئًا وكان يشتري له الجزر فيطبخ بالخل فيتأدم به طول الشتاء ‏.‏

وكان يقول‏:‏ خالف الناس الأسود بن يزيد في زوج بريرة فقال‏:‏ أنه كان حرًا وقال الناس‏:‏ أنه كان عبدًا ‏.‏

وقال‏:‏ كل من روى عنه رجلان من أهل العلم ارتفعت عنه الجهالة وكل من لا يروي عنه إلا رجل واحد فهو مجهول وقال أبو علي الحسين بن علي الحافظ‏:‏ لم تر عيناي مثل إبراهيم بن محمد وتوفي في رجب هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد أبو الحسين النوري وقد قيل أنه محمد بن محمد والأول أصح ‏.‏

وكان يعرف بابن البغوي وكان أصله من خراسان من ناحية بغ ‏.‏

حدث عن سري السقطي ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا عبد العزيز بن علي قال‏:‏ سمعت علي بن عبد الله بن جهضم يقول‏:‏ حدثني عبد الكريم بن أحمد البيع قال‏:‏ قال أبو أحمد المغازلي‏:‏ ما رأيت أحدًا قط أعبد من النوري فقيل‏:‏ ولا جنيد قال‏:‏ ولا جنيد ‏.‏

قال عبد الكريم‏:‏ ثم حدثني أبو جعفر الفرغاني قال‏:‏ مكث أبو الحسين النوري عشرين سنة يأخذ من بيته رغيفين ويخرج ليمضي إلى السوق فيتصدق بالرغيفين ويدخل المسجد فلا يزال يركع حتى يجيء وقت سوقه فإذا جاء الوقت مضى إلى السوق فيظن أستاذه أنه قد تغدى في منزله ومن في بيته عندهم أنه قد أخذ معه غداءه وهو صائم ‏.‏

وقال أبو الحسن القناد‏:‏ مات النوري في مسجد الشونيزية جاسًا متقنعًا فبقي أربع أيام لم يعلم بموته أحد إسماعيل بن أحمد بن أسد بن نوح بن سامان من ملوك السامانية وهم أرباب الولايات بسمرقند والشاش وفرغانة وتلك البلاد وظفر إسماعيل بعمرو بن الليث الصفار الخارجي فبعث به إلى المعتضد فكتب المعتضد عهد إسماعيل على خراسان وبعث إليه الخلع ولما انتهت الخلافة إلى المكتفي بالله كتب له عهد إسماعيل وولاه من الري إلى ما وراء النهر إلى بلاد الترك وبنى إسماعيل ربطًا في المفاوز يسع كل رباط منها ألف فارس ووقف عليها وقوفًا وورد إلى بلاده جيش عظيم من كبار الترك فيه ألف وسبعمائة قبة ولا تكون القبة التركية إلا لرئيس ومتقدم فوجه إسماعيل أحد قواده لقتالهم فوافاهم وهم غارون فقتل منهم خلقًا كثيرًا واستباح عسكرهم وانصرف المسلمون غانمين وكان طاهر بن محمد بن عمرو بن الليث قد استولى على فارس بعد أن أسر جده عمرو بن الليث فأنفذ المعتضد مولاه بدرًا لقتاله فبعث طاهر إلى إسماعيل يسأله التوسط بينه وبين الخليفة ليقره على بلاده ويقاطعه على مال وأهدى إلى إسماعيل هدايا من جملتها ثلاث عشرة جوهرة وزن كل جوهرة ما بين سبعة مثاقيل إلى العشرة بعضها أحمر وبعضها أزرق فقومت بمائة ألف دينار فكتب إسماعيل فكتب إسماعيل إلى المعتضد فشفع فيه ويخبره بحال الهدية ويسأله في قبولها فأجابه‏:‏ لو أنفذ إليك كل عامل لأمير المؤمنين أمثال هذا لكان مما يسره وشفعه في طاهر ‏.‏

وتوفي إسماعيل في صفر هذه السنة في خلافة المكتفي فلما بلغه الخبر تمثل المكتفي بقول أبي نواس لن يخلف الدهر مثلهم أبدًا هيهات هيهات شأنهم عجب الحسن بن علي بن شبيب أبو علي المعمري الحافظ رحل في طلب العلم إلى البصرة والكوفة والشام ومصر وسمع هدبة وابن المديني ويحيى في خلق كثير روى عنه ابن صاعد وابن مخلد والنجاد والخلدي وكان من أوعية العلم وله حفظ وفهم وقال الدارقطني‏:‏ صدوق حافظ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال‏:‏ مات أبو علي المعمري في ليلة الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين ودفن يوم الجمعة بعد صلاة العصر على الطريق عن مقابر البرامكة بباب البردان وكان في الحديث وجمعه وتصنيفه إمامًا ربانيًا وقد شد أسنانه بالذهب ‏.‏

قال‏:‏ وقيل‏:‏ بلغ اثنتين وثمانين سنة وكان قديمًا يكنى أبا القاسم ثم اكتنى بأبي علي وقد كان ولي القضاء للبرتي على البصرة وأعمالها وقيل له‏:‏ المعمري بأمه أم الحسن بنت سفيان بن أبي سفيان صاحب معمر بن راشد ‏.‏

عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب ‏.‏

واسم أبي شعيب عبد الله بن مسلم وكنية عبد الله أبو شعيب الأموي الحراني المؤدب المحدث ابن المحدث ابن المحدث ولد سنة ست ومائتين وسمع جده وأباه وعفان بن مسلم وأبا خيتمة ‏.‏

روى عنه ابن مخلد والمحاملي وكان صدوقًا ثقة مأمونًا ‏.‏

توفي في ذي الحجة من هذه السنة ببغداد وكان قد استوطنها ‏.‏

عبد الله بن محمد بن علي بن جعفر بن ميمون بن الزبير أبو علي البلخي سمع قتيبة وعلي بن حجر روى عنه ابن مخلد وأبو بكر الشافعي وكان أحد أئمة أهل الحديث حفظًا وإتقانًا وثقة وإكثارًا وله كتب مصنفة في التواريخ والعلل وتوفي ببلخ في هذه السنة ‏.‏

علي المكتفي بالله ابن المعتضد بالله توفي ببغداد ليلة الأحد مع المغرب لاثنتي عشرة خلت من ذي القعدة من هذه السنة ‏.‏

وقال الصوليي‏:‏ توفي بين الظهر والعصر يوم السبت ودفن في دار محمد بن عبد الله بن طاهر وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة غير شهر وقيل‏:‏ ابن ثلاث وثلاثين سنة ويوم وكانت خلافته ست سنين وستة أشهر وتسعة عشر يومًا ولما احتضر قال له وزيره‏:‏ ادع بألف ألف دينار ففرقها في أمهات أولادك فإن المسلمين يجعلونك منها في حل لما وفرت عليهم من أموالهم فقال‏:‏ والله لا فعلت ذلك حسبي ما احتقبت ولي عند صافي والداية ستمائة ألف دينار جمعتها منذ كنت صبيًا تفرق عليهن فإنها تكفيهن وأدخل عليه القضاة والخواص وأوصى بالخلافة لأخيه جعفر ‏.‏

محمد بن أحمد بن نصر أبو جعفر الفقيه الترمذي الشافعي ولد في ذي الحجة سنة مائتين سكن بغداد وحدث بها عن يحيى بن بكير المصري وغيره ‏.‏

وكان من أهل العلم والزهد قال الدارقطني‏:‏ هو ثقة مأمون ناسك ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ قرأت على الحسن بن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال‏:‏ توفي أبو جعفر الترمذي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين وكان قد اختلط في آخر عمره اختلاطًا عظيمًا ولم يكن للشافعية فقيه بالعراق أرأس منه ولا أشد ورعًا وكان من التقلل على حالة عظيمة يعني في المطعم فقرًا وورعًا وصبرًا على الفقر وكان لا يسأل أحدًا شيئًا ‏.‏

وأخبرني إبراهيم بن السري الزجاج‏:‏ أنه كان يجري عليه أربعة دراهم في الشهر ‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وتسعين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ اجتماع جماعة القواد والكتاب والقضاة على خلع المقتدر بالله وتناظرهم فيمن يجعل مكانه فاجتمع رأيهم على عبد الله بن المعتز فأجابهم إلى ذلك على أن لا يكون في ذلك سفك دم فأخبروه أن الأمر يسلم إليه عفوًا وأن جميع من وراءهم من القواد والجند قد رضوا به فبايعهم على ذلك فأصبحوا وقد خلعوا المقتدر بالله وبايعوا ابن المعتز ‏.‏

ذكر ثابت بن سنان في تاريخ قال‏:‏ كانت فتنة عبد الله بن المعتز بالله في شهر ربيع الأول لأن التدبير وقع من محمد بن داود بن الجراح مع الحسين بن حمدان على إزالة المقتدر بالله ونصب ابن المعتز بالله فواطأ على ذلك جماعة من الكتاب والقواد والقضاة فلما كان يوم السبت لعشر بقين من ربيع الأول أوقع الحسين بن حمدان بالوزير أبي أحمد العباس وهو على دابته عند انصرافه من دار الخلافة فقتله وكان إلى جانبه فاتك المعتضدي يسايره فصاح بالحسين منكرًا عليه فعطف عليه الحسين فقتله ووقع الاضطراب وركض الحسين بن حمدان قاصدًا إلى الحلبة مقدرًا أن يفتك بالمقتدر بالله لأنه كان قد عرف أنه قد خرج إليها ليضرب بالصوالجة فلما سمع المقتدر الضجة بادر بالدخول إلى داره فأغلقت الأبواب فانصرف الحسين إلى الدار بالمخرم المعروفة بسليمان بن وهب وبعث إلى عبد الله بن المعتز يعرفه تمام الأمر وانتظامه فنزل عبد الله بن المعتز من دار إبراهيم بن أحمد المادرائي الراكبة للصراة ودجلة وعبر إلى دار المخرم وحضر القواد والجند والقضاة ووجوه أهل بغداد سوى أبي الحسن بن الفرات وخواص المقتدر فبايعوا عبد الله وخوطب بالخلافة ولقب بالمرتضي بالله ‏.‏

وقال الصولي‏:‏ المنتصف بالله واستوزر أبا عبد الله محمد بن داود الجراح ووجه إلى المقتدر يأمره بالانصراف إلى دار عبد الله بن طاهر لينتقل هو إلى دار الخلافة فقاتله من فيها من الخدم والغلمان ودفعوه فانصرف فحمل ما قدر عليه من ماله ومتاعه وحرمه وسار إلى الموصل فقالت الجماعة الذين سمعوا رسالة ابن المعتز بالله إلى المقتدر بالانصراف إلى دار ابن طاهر يا قوم نسلم أنفسنا هكذا‏!‏ لولا نتجرد فيما قد أظلنا لعل الله تعالى يكشفه عنا فلبسوا الجواشن وأصعدوا إلى المخرم فهرب الناس من بين أيديهم وخرج ابن المعتز قاصدًا سرمن رأى ليتم هناك أمره فلم يتبعه أحد فدخل إلى دار أبي عبد الله بن الجصاص واستجار به ووقع النهب والغارة ببغداد ووجه المقتدر بالله فقبض على أصحاب ابن المعتز بالله واعتقلهم وقتل أكثرهم ‏.‏

وفي ربيع الأول قلد المقتدر بالله أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات الوزارة فجدد البيعة للمقتدر وجاء خادم لابن الجصاص إلى صافي الحرمي فأخبره بأن ابن المعتز في دارهم فأنفذ المقتدر صافيًا في جماعة فكبس الدار وحمل ابن المعتز وابن الجصاص فقرر على ابن الجصاص مال فأداه وانصرف ‏.‏

وظهر موت ابن المعتز في دار السلطان لليلتين خلتا من ربيع الآخر وأخرجه مؤنس إلى منزله ملفوفًا فسلمه إلى أهله فدفنوه في خراب بإزاء داره وتلطف ابن الفرات في أمر الحسين بن حمدان حتى رضي عنه وعرف المقتدر أنه متى عاقب جميع من دخل في أمر ابن المعتز فسدت النيات فأمر بتغريق الجرائد في دجلة فكثر الشاكرون له ‏.‏

ولا يعرف خليفة خلع ثم أعيد سوى وفي يوم السبت لأربع بقين من ربيع الأول سقط ببغداد الثلج من غدوة إلى قرب صلاة العصر حتى صار في السطوح والدروب منه ‏.‏

نحو أربع أصابع ‏.‏

وفي أواخر ربيع الأول سلم جماعة ممن بايع لابن المعتز إلى مؤنس الخادم فمنهم من قتل ومنهم من فدى نفسه ‏.‏

وللنصف من شعبان خلع على مؤنس الخادم وأمر بالشخوص إلى طرسوس لغزو الروم فخرج

وفي هذه السنة أمر المقتدر أن لا يستعان بأحد من اليهود والنصارى فألزموا بيوتهم وأخذوا بلبس العسلي والرقاع من خلف ومن قدام وأن تكون ركبهم خشبًا ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن عبد الملك ورجع كثير من الحاج لقلة الماء وإبطاء المطر وخرج الناس للاستسقاء ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن محمد بن زكرياء بن أبي عتاب أبو بكر البغدادي الحافظ ويعرف بأخي ميمون ‏.‏

حدث عن نصر بن علي الجهضمي وغيره وكان حافظًا ‏.‏

روى عنه الطبراني وكان يمتنع من أن يحدث فحفظت عنه أحاديث في المذاكرة ‏.‏

وتوفي في مصر في شوال إبراهيم بن هارون بن سهل قاضي سرقسطة وهي من أقصى ثغور الأندلس توفي في هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن هانئ أبو بكر الطائي الأثرم سمع عفان بن مسلم وأبا الوليد والقعنبي وأبا نعيم وخلقًا كثيرًا وله كتب مصنفة منها‏:‏ علل الحديث والناسخ والمنسوخ في الحديث ‏.‏

ومن تأمل كلامه استدل على غزارة علمه وكان يحيى بن معين يقول عنه لقوة حفظه‏:‏ كان أحد أبوي الأثرم جنيًا وقال إبراهيم الأصبهاني‏:‏ الأثرم أحفظ من أبي زرعة الرازي وأتقن ‏.‏

وصحب أحمد بن حنبل وأقبل على مذهبه مشتغلًا به إن غيره وأصله من بلد إسكاف وهناك مات‏.‏

إبراهيم بن محمد بن أبي الشيوخ أبو إسحاق الآدمي حدث عن أبي همام السكوني وغيره‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرنا محمد بن عبد الواحد حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ قرئ على ابن المنادي وأنا أسمع قال‏:‏ مات أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي الشيوخ الآدمي بعد الأضحى بيومين سنة ست وتسعين ومائتين في يوم جمعه ‏.‏

كتب الناس عنه ووثقوه وكان قد شهد ثم امتنع بعد ذلك فترك الشهادة ‏.‏

الحسن بن عبد الوهاب بن أبي العنبر أبو محمد حدث عن حفص بن عمر السياري وغيره روى عنه أبو عمرو بن السماك وكان ثقة دينًا مشهورًا بالخير والسنة كتب الناس عنه ووثقوه

وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

الحسن بن علي بن الوليد أبو جعفر الفارسي الفسوي ولد سنة اثنتين ومائتين وسكن بغداد وحدث بها عن علي بن الجعد وغيره روى عنه أبو بكر الشافعي وأبو علي بن الصواف ‏.‏

وذكره الدارقطني فقال‏:‏ لا بأس به وتوفي في هذه السنة وقيل في سنة تسعين‏.‏

خلف بن عمرو بن عبد الرحمن بن عيسى أبو محمد العكبري سمع الحميدي وسعيد بن منصور روى عنه الخلدي والخطبي وقال الدارقطني‏:‏ كان ثقة وقال ابن المنادي‏:‏ كان واسع الجاه عريض الستر ثقة‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا علي بن الحسين صاحب العباس حدثنا إبراهيم بن أبي علي الدقاق أنه سمع عبد الله بن محمد بن شهاب قال‏:‏ مات خلف بن عمرو العكبري سنة ست وتسعين ومائتين وكان له ثلاثون خاتمًا وثلاثون عكازًا يلبس كل يوم خاتمًا وعكازًا طول شهره فإذا جاء الشهر المقبل استأنف لبسها وكان له سوط معلق فقلت له‏:‏ ما هذا فقال‏:‏ ما روي علق سوطك يرهبك عيالك وكان ظريفًا توفي بعكبرا ‏.‏

عبد الله بن المعتز بالله واسم المعتز محمد بن جعفر المتوكل ويكنى عبد الله أبا العباس ‏.‏

ولد في شعبان سنة سبع واربعين ومائتين وكان غزير الأدب بارعًا في الفضل مليح الشعر ‏.‏

سمع المبرد وثعلبًا وغيرهما وله كلام في الحكمة عجيب كان يقول‏:‏ أنفاس الحي خطاه إلى أجله ‏.‏

ربما أورد الطمع ولم يصدر ربما شرق شارب الماء قبل ريه من تجاوز الكفاف لم يغنه الاكثار وكلما عظم قدر المنافس فيه عظمت الفجيعة به ومن أرحله الحرص أنضاه الطلب والحظ يأتي من لا يأتيه واشقى الناس أقربهم من السلطان كما أن أقرب الأشياء إلى النار اسرعها احتراقًا ومن شارك السلطان في عز الدنيا شاركه في ذل الآخرة أهل الدنيا ركب يسار بهم وهم نيام الحرص ينقص من قدر الإنسان ولا يزيد في حظه يشفيك من الحاسد أنه يغتنم وقت سرورك الفرصة سريعة الفوت بعيدة العود الجود حارس الأعراض الأسرار إذا كثر خزانها ازدادت ضياعًا البلاغة بلوغ المعنى ولما يطل سفر الكلام ذل العزل يضحك من تيه الولاية الجزع أتعب من الصبر تركة الميت عزاء للورثة عنه لا تشن وجه العفو بالتقريع من أظهر عدواتك فقد أنذرك ‏.‏

أخبرنا العزاز قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين العكبري قال‏:‏ حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى المقرئ قال‏:‏ حدثني عثمان بن عيسى بن هارون الهاشمي قال‏:‏ كنت عند عبد الله بن المعتز وكان قد كتب أبو أحمد بن المنجم إلى أخيه أبي القاسم رقعة يدعوه فيها فغلط الرسول فجاء فأعطاها ابن المعتز بالله وأنا عنده فقرأها وعلم أنها ليست إليه فقلبها وكتب‏:‏ دعاني الرسول ولم تدعني ولكن لعلي أبو القاسم فأخذ الرسول الرقعة ومضى وعاد عن قريب وإذا فيها مكتوب‏:‏ أيا سيدًا قد غدا مفخرًا لهاشم إذ هو من هاشم تفضل وصدق خطاء الرسول تفضل مولى على خادم فدى لك من كل ما تتقيه أبو أحمد وأبو القاسم قال‏:‏ فقام ومضى إليه ‏.‏

وقال أبو بكر الصولي‏:‏ اعتل عبد الله بن المعتز فأتاه أبوه عائدًا وقال‏:‏ ما عراك يا بني فأنشأ يقول‏:‏ أيها العاذلون لا تعذلوني وانظروا حسن وجهها تعذروني وانظروا هل ترون أحسن منها إن رأيتم شبيهها فاعذلوني بي جنون الهوى وما بي جنون وجنون الهوى جنون الجنون قال‏:‏ فتتبع أبوه الحال حتى وقع عليها فابتاع الجارية التي شغف بها بسبعة آلاف دينار ووجهها إليه‏.‏

وله‏:‏ إن الذين بخير كنت تذكرهم قضوا عليك وعنهم كنت أنهاكا لا تطلبن حياة عند غيرهم فليس يحييك إلا من توفاكا ومن شعره الرائق‏:‏ قل لغصن البان الذي قد ثنى تحت بدر الدحى وفوق النقا ودموع تقول في الخد يا من يتباكى كذا يكون البكا ليس للناس موضع في فؤادي زاد فيه هواك حتى امتلا ليت ليلا على الصراة طويلًا لليال من سر من را الفدا أين مسك بمن حماه وبخور من بخار وصفرة من قذا وله‏:‏ من لي بقلب صيغ من صخرة في جسد من لؤلؤ رطب جرحت خديه بحظي فما برحت حتى اقتص من قلبي وله بليت بخلان هذا الزمان فأقللت بالهجر منهم نصيبي وكلهم إن تصفحتهم صديق العيان عدو المغيب وله‏:‏ بحياتي يا حياتي اشربي الكأس وهاتي قبل أن يفجعنا الدهر ببين وشتات وله‏:‏ سابق إلى مالك وارثه ما المرء في الدنيا بلباث كم صامت يخنق أكياسه قد صاح في ميزان ميراث وله أيضًا‏:‏ يا ذا الغنى والسطوة القاهرة والدولة الناهية الآمره ويا شياطين بني آدم ويا عبيد الشهوة الفاجره انتظروا الدنيا فقد أقربت وعن قليل تلد الآخره وله أيضًا‏:‏ أترى الجيرة الذين تداعوا عند سير الحبيب قبل الزوال علموا أنني مقيم وقلبي راحل معهم أمام الجمال مثل صاع العزيز في أرحل القو م ولا يعلمون ما في الرحال ما أعز المعشوق ما أهون العا شق ما اقتل الهوى للرجال وله‏:‏ أطلت وعذبتني يا عذول بليت فدعني حديثي يطول هواي هوى باطن ظاهر قديم حديث لطيف جليل ألا ما لذا الليل ما ينقضي كذا ليل كل محب يطول أبيت أساهر نجم الدجى إلى الصبخ وحدي ودمعي يسيل قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقد ذكرنا أن العسكر اضطرب على المقتدر بالله فخلعوه وبايعوا عبد الله بن المعتز ثم خرج أصحاب المقتدر فخاصموا فاستتر ابن المعتز وإنما كانت ولايته بعض يوم فأخذ وسلم إلى مؤنس الخادم فقتله ووجه به إلى داره التي على الصراة فدفن هناك وذلك في ربيع الأول من هذه السنة فرثاه علي بن محمد بن بسام فقال‏:‏ لله درك من ميت فجعت به ناهيك في العلم والآداب والحسب ما فيه لولا ولا ليت تنقصه وإنما أدركته حرفة الأدب أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد أخو الخلال أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الواسطي قال‏:‏ أنشدنا أبو القاسم الكريزي قال‏:‏ أنشدنا أحمد بن محمد بن عباس لعبد لله بن المعتز أنه قال في الليلة التي قتل في صبيحتها‏:‏ مرت بنا سحرًا طير فقلت لها طوباك يا ليتني إياك طوباك إن كان قصدك شرقًا فالسلام على شاطي الصراة ابلغي إن كان مسراك من موثق بالمنايا لا فكاك له يبكي الدماء على إلف له باكي فرب آمنة حانت منيتها ورب مفلتة من بين أشراك أظنه آخر الأيام من عمري وأوشك اليوم أن يبكي لي الباكي قال ابن قتيبة‏:‏ لما أن أقاموا عبد الله بن المعتز إلى الجهة التي تلقت فيها أنشأ قائلًا‏:‏ فقل للشامتين بنا ريدًا أمامكم المصائب والخطوب هو الدهر الذي لا بد من أن يكون إليكم منه ذنوب محمد بن الحسين بن حبيب أبو حصين الوادعي القاضي من أهل الكوفة قدم بغداد وحدث بها عن أحمد بن يونس اليربوعي ويحيى بن عبد الحميد الحماني وجندل بن والق روى عنه ابن صاعد والمحاملي والنجاد وكان فهمًا صنف المسند وقال الدارقطني‏:‏ كان ثقة وتوفي بالكوفة في هذه السنة ‏.‏

حدث عن بشر بن الوليد الكندي وحيان بن بشر الأسدي روى عنه ابن مخلد ‏.‏

محمد بن الحسين بن حمدويه الحربي حدث عن يعقوب بن سواك روى عنه أبو طالب بن البهلول ‏.‏

محمد بن داود بن الجراح أبو عبد الله الكاتب عم علي بن عيسى الوزير ولد في سنة ثلاث وأربعين ومائتين في الليلة التي توفي فيها إبراهيم بن العباس الصولي وحدث عن عمر بن شبة وغيره ‏.‏

وكان فاضلًا من علماء الكتاب عارفًا بأيام الناس ‏.‏

وأخبار الخلفاء والوزراء وله في ذلك تصانيف ‏.‏

وتوفي في ربيع الآخر من هذه السنة ‏.‏

يوسف بن موسى بن عبد الله أبو يعقوب القطان المروروذي رحل إلى الآفاق البعيدة في طلب الحديث وحدث عن ابن راهويه وعلي بن حجر وأبي كريب روى عنه أبو بكر الشافعي وكان ثقة صدوقًا ‏.‏